تبوله, ألوان وعولمة... - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


تبوله, ألوان وعولمة...
ماجدة الحلبي\المرعي – 24\03\2008

تبوله:
السباغيتي تذكرني بإيطاليا, الماكدونالدز يذكرني بأمريكا , الجبنة تذكرني بالدنمرك و ألتبوله تذكرني حتما بسوريا ولبنان.
إذن ؛ يمكن اعتبار التبوله رمز ثقافي , وطبق شعبي مساهم, بشكل أو بآخر, في تكوينة هويتنا الثقافية كشعب شرق متوسطي.
ها قد تطرقت للهوية!!!!!

هوية :
كيان حي لا مرئي, تكونها قيم تختلف وتتنوع, بدئاً بأصناف المأكولات الشعبية, مرورا بالنتاج الفني والفكري الموروث والمبدَع , نهاية بالوعي الجماعي , مظاهر وسلوكيات المجموعة طقوسهم معتقداتهم ...الخ
الهوية هي ماهية, مبرر وكل وجودي كفرد, وجودنا كجماعة, أنا لا أستطيع أن "أكون" إن لم أجد تعريفا لذاتي, إن لم أجب على السؤال : من أنا؟ . لا يمكننا أن نكون, إن لم نجب كجماعه عن ذات السؤال.
الهوية تتبلور شيئا فشيئا, وقوّتها تكمن بوجودها في حركة وديناميكية دائمة , في حالة جريان , تغيُّر وتجدد لانهائي.

" تحدث المحاضر المسنّ عن هيجل, الفيلسوف الألماني, حيث قال: هيجل أوجد نظرية يمكنها أن تختصر تطور الوجود البشري . هيجل يقول أن جميع الموجودات على وجه الأرض ومن ضمنها الإنسان موجودة في حالة تغير وتحوّل دائمة, تغيّر بمعنى النمو والتقدم نحو الأمام, تحوّل يحدث من تلقاء نفسه, حيث أن طاقات ومحركات النمو والتقدم والصورة المستقبلية لكائن ما موجودة وكامنة في داخلة منذ اللحظة الأولى لتكونه. ويقول أيضا أن التاريخ البشري ككل ما هو إلا تقدم بإدراك الحرية.
هذا التقدم محكوم بثلاث حالات:
1- التقدم على مراحل: البذرة تحمل بداخلها جميع إمكانيات الشجرة, إن توفرت لها الظروف الملائمة ستنمو من تلقاء نفسها وتتحول إلى شجرة عملاقة تحوي في داخلها كل مراحلها السابقة, عملية النمو هذه هي بمثابة تجسيد عملي وملموس للطاقات الكامنة في داخل البذرة.
2- حتمية التقدم: كل شي موجود في حركة أبدية نحو الأمام, التاريخ لا يعيد نفسه, الجديد حتما قادم.
3- التقدم بالنفي: الجديد يلغي القديم ليحل محله, المولود ينفي الحالة الجنينية, والبلوغ ينفي مرحلة الطفولة."

ألوان :
1180 ربطة بقدونس أخضر, 450 كغم خيار أخضر, 500 كغم بندورة حمراء, 50 كغم نعنع أخضر, 50 كغم بصل أخضر, 150 كغم سميد بني , 150 ليتر زيت, للّمعان فقط.
في صحن التبولة بدا اللون الأخضر هو المسيطر, لأنه المتكرر و الحاضر الأقوى , وإن سُئلتُ عن لون صحن التبولة , فسأجيب بإصرار ودون تردد "أخضر" .
مسكينة البندورة الحمراء قد ذابت, إمّحت ولم يبق لها أو للونها اللافت أي أثر , لربما بسبب حمرتها كان مصيرها كمصير الهنود الحمر , حين انقرضوا بسبب سيطرة "ألوان" وقوى وحشية أخرى؟ فبرغم أهمية حضارتهم كانت الغلبة للأقوى!!!!

عولمة:
اللون العالمي المسيطر اليوم هو اللون الغربي , الأقوى اقتصاديا وسياسيا, حضارة الماكدونالدز , الكوكاكولا, الراب والروك, المال والأعمال وما يتبعهم . أما نحن الشرقيون, بألواننا الباهتة, حيث لا اقتصاد ولا سياسة, هل سنكون"بندورة" أم "هنود حمر"؟

الهوية....في الجولان:
هي أزمة هوية, أزمة بجزئها صحيّة وضرورية, لكنها أزمة بأي حال.
الجيل الجديد, جيل الاتصالات , الفضائيات والانترنت, الجيل الرقمي الذي يحكم القرن الحادي والعشرين – الذي اسمية "القرن الشاب", تيمُّنا بهم, سابقا كانت تؤخذ المشورة أو الحكمة من شيوخ أو حكماء القوم الأكثر تقدما في السن, بحكم تجربتهم وخبرتهم, أما اليوم فبتّ أحتاج طفلتي ابنة العاشرة كي تدلني على الطريقة المثلى للعمل في محرك البحث غوغل على سبيل المثال , باتت تفوقني معرفة , وأحتاجها كي أبقى على صلة واطلاع بما يدور حولي, فالتكنولوجيا تدخل في أبسط تفاصيل حياتنا.
هذا الجيل يقلب حياتنا , مفاهيمنا , عاداتنا وتقاليدنا الآمنة رأسا على عقب, يدفعنا نحو منطقة التغيير المتأرجحة, يفقدنا الشعور بالأمان والتوازن, يهددنا ويعرّض قيمنا وثوابتنا للشك وإعادة الفحص , ومجموعة رؤيا –برأيي- ترجمة بارزة لهذه الحالة.
هم سئموا القيم الحاضرة التي باتت ضيقة على طموحاتهم وطاقاتهم, القيم التي ساهمت السياسة بتكوين وبلورة جزئها الأكبر, وهذا مـُبرَر , ففي الثمانينات كان الإضراب ضرورة لإرساء الجواب العملي لذات السؤال : من نحن؟ وقد أجبنا بملء أفواهنا "نحن عرب سوريون".
هذا الجيل يحاول اليوم إعادة صياغة هويته , وتكوينها من جديد, الهوية (وبحكم هيجل) ستـُبنى على أنقاض ونفي الهوية السابقة بكل مفاهيمها وقيمها. هذا خطير لكن ذاك حقهم , فالتيار صاخب وهدّار , لا يمكن إيقافه أو لجمه, ويجب أن نمتلك الشجاعة والجرأة بحيث نقبل بحتمية هدم القديم وبناء الجديد على أنقاضه.

لكني؛ وبرغم كل ذلك, متوجسة. أنا أرفض القديم : نعم, أنا مع التقدم والتجدد دائما وأبدا : ألف نعم , لكني لست مع الحالة التي أصير فيها تابعا لهذا الجديد وليس فاعلا ومساهما في تكوينه, الجديد الذي , ولكي أكونه, سأدفع الثمن بوجودي , خصوصيتي الثقافية, لوني , طابعي الخاص والمختلف , اختلافي الطبيعي النابع من تضاريس ومناخ المكان الذي ولدتُ وولد فيه أجداد أجدادي. وأتحدث هنا عن ثقافة موغلة في العراقة والقدم .

أنا في الوسط الآن , يجب أن أتقدم نحو المرحلة القادمة, ذلك حتمي لا محالة, لا أستطيع التوقف على الإطلاق, لكن من الخطر أن يأخذني تيار اللون العالمي الأوحد, فأذوب , أضمحل وأختفي , تماما كحال "البندورة" في صحن"التبولة"!!!

"فرضت المحاضرة في "مهارات أكاديمية" قراءة ثلاثة أبحاث علمية على الأقل , تمسّ الموضوع الذي يجب بحثه. حين سـُئلَتْ عن السبب أجابت: يجب أن يتوفر مثال نظري يستند اليه الطالب في بحثه, وإلا فسيكون عمله عبارة عن خليط من مواد وأفكار لا منطقية تحوم في فراغ لا معرّف".

على نفس المبدأ, لنكوّن هوية جماعية تشبهنا نحن, ننتجها نحن, لا نستوردها من الخارج, يجب أن يكون لدينا مثالا أو قالبا نظريا على الأقل , واسمية قدوة أو مثلا أعلى , أيضا متجدد وعصري, وأيضا متجذر بعمق , ونابع من قلب حضارتنا وثقافتنا كشعوب تقطن هذا المكان المحدد من العالم، مثالا نستند إليه , نستمد منه قيمنا , مكونات هويتنا , مبرر وجودنا وتعريفنا كأفراد وجماعة قائمين, موجودين, نرغب بالبقاء ونرفض الانقراض والموت.
اختلفت الآراء والمواقف من رؤيا و"صحن التبولة", هناك الموالي , المشجع والداعم وهناك المعارض الساخط, لكن الدافع المحرك لكل هذا التباين ينبع –برأيي- من إيجاد جواب وافي للسؤال الصعب:
كيف يمكننا في الألفية الثالثة أن نكون "نحن" وأن "نبقى" في ذات الوقت؟

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا